النص:
« إن ما تتميز به شخصية الإنسان هي الحرية. فشخصيته ليست شيئا محددا منذ البداية؛ فهو لم يكن بطبيعته خيرا وليس بطبيعته شريرا، إلا أن في استطاعته أن يجعل من نفسه خيرا أو شريرا تبعا لتحمله مسؤولية حريته أو تنكره لها. فالخير والشر ليسا سمتين جاهزتين في شخصية الإنسان. فما يكون شخصيتنا هو الكيفية التي بواسطتها يتجاوز الشخص بفضل حريته وضعه الراهن الذي هو عليه، ذلك أن الحرية التي يتمتع بها هي التي تمكنه من أن يرسم لنفسه بكيفية أكيدة الغايات التي سعى إليها وإلى تحقيقها. وليست هناك أية عوامل خارجية يمكنها أن تهدم ما رسمه لذاته وفعله بنفسه. فالإنسان هو وحده السيد والمتحكم في مصيره. »
حلل وناقش
· إجابة التلميذة:
إن الحديث عن الشخص بين الحرية والإكراه يعيدنا إلى نقاش فلسفي قديم لازال قائما إلى يومنا هذا ويطرح بأشكال مختلفة. فيجعلنا ذلك نتواجد أمام أطروحتين متعارضتين إحداهما تؤكد على حرية الشخص وقدرته على الاختيار، في حين أن الأخرى تقول بخضوعه الحتمي لشتى الإكراهات سواء كانت اجتماعية أو دينية أو عرفية أوقانونية أو غير ذلك. وانطلاقا من هذه المفارقة يمكننا التساؤل: هل الحرية من امتيازات الإنسان؟ وهل يمكن النظر إلى الإنسان على أنه ذات حرة فيما تفعله؟ وكيف يمكن للشخص أن يتجاوز وضعه الحالي ويحسنه بفضل حريته؟ وإلى أي حد يمكن له أن يحقق ما طمح إليه؟ وهل للواقع إكراهات تحد من مدى تحقيقه لأهدافه وبناء لنفسه؟
يرى صاحب النص أن ما تتميز به شخصية الإنسان هي الحرية، إذ أكد ذلك بقوله: إن ما تتميز به شخصية الإنسان الحرية، فشخصيته ليست شيئا محددا منذ البداية، أي أن وجود الشخصية سابق على ماهيتها ولا يمكن إطلاق حكم مسبق عليها. وقد أعطى مثالا لذلك بالخير والشر فلا يمكن القول عن شخصية الإنسان أنها شريرة أو خيرة منذ البداية، فذلك يتحدد بالزمان أي الوجود التاريخي لشخصية الإنسان. وينص على أن الإنسان بيده الاختيار بينهما بالاستناد إلى مسؤولية هذا الإنسان كذات عاقلة وواعية بحريتها فذلك يعني أنها ستختار الخير، أما إذا تنكرت لما هي عليه فذلك يعني أنها ستختار الشر، إذ ستصبح ذاته بدون قيود تحتم عليه اختيار الصواب بالابتعاد عن الشر.
فبالنسبة لصاحب النص ما يكون شخصيتنا هي تلك الطريقة التي نتبعها لتجاوز وتحسين وضعنا الراهن الحالي باستعمال الحرية، فمثل ذلك على أن الحرية هي الأداة التي تمكننا من اختيار ما نطمح إليه ونرسمه لذاتنا بإرادة أكيدة وحرة للوصول إلى الغايات التي نسعى لتحقيقها. فما دام لنا القدرة على الاختيار الحر فيما نسمو إليه ونحققه بذواتنا، فينتفي وجود أية قدرة من شأنها أن تمنعنا من الوصول إلى تحقيق غاياتنا كبشر، لسبب وحيد هو كون الكائن البشري هو وحده السيد والمتحكم في مصيره لأن له القدرة على الاختيار الحر.
وإذا كان صاحب النص قد نفى وجود عوامل خارجية واقعية تحد من وصول الإنسان إلى غاياته، ألا يمكن أن تكون هناك عوامل داخلية نفسية في ذاته تتحكم في اختياراته وتحد منها؟ ألا يعيش هذا الإنسان داخل مجتمع تحكمه الأعراف ويخضع لواجبات الدين والقانون فتحد هذه الأخيرة من حريته ما يسمو إليه ويسعى إلى تحقيقه؟
إن القول بحرية الإنسان بشكل مطلق يستدعي إقرانها دائما بالمسؤولية تجاه نتائج هذه الحرية من اختيارات وأفعال ومعرفة مدى صلاحيتها، وبتعبير آخر حدود هذه الحرية في المجال الذي لا تنعكس على صاحبها سلبا وتقوده للهلاك. وإذا كان الإنسان كائنا اجتماعيا، فالمجتمع يفرض إكراهات تتمثل في انقياده للأعراف التي قد يكون أحيانا الإنسان مجبرا على فعلها وتحملها فتقيده وتحد من حريته. ولا ننسى أن للغير تأثيرا كبيرا على اختيارنا ويمارس نوعا من الضغط غير المباشر كالأحاسيس والمشاعر التي توجه وتغير اختيارنا وبالتالي تحد من حريتنا.
وفي إطار ما جاء في النص على أن الإنسان يتميز بحرية كاملة ولا وجود لعوامل خارجية تهدم ما رسمه لذاته وحققه لنفسه، فالفيلسوف والمحلل النفساني النمساوي “سيغموند فرويد” يرى عكس ذلك، إذ يقول بأن الإنسان خاضع لإكراهات نفسية لا شعورية فلا وجود للقول بحرية الشخص في أفعاله واختياراته لأن أفعاله وأفكاره وسلوكاته ليست إلا حصيلة للدوافع الغريزية والمكبوتات التي لم تتح لها فرصة التحقق على أرض الواقع فطمست في الأعماق النفسية. وبالتالي فللاشعور دور كبير في توجيه أفكار الإنسان مما يدحض فكرة حرية الإنسان، فهو خاضع لإكراهات نفسية داخلية تنبع من داخله. وبخلاف هذا يرى الفيلسوف الفرنسي “جون بول سارتر” إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي له حرية الإرادة والقدرة على الاختيار حتى في مقاومة إكراهاته النفسية اللاشعورية، باعتبار الإنسان مشروعا ينجزه الإنسان بذاته أثناء وجوده التاريخي. لكن هذه الحرية التي يستطيع أن ينفرد بها الإنسان ليست مطلقة فهي مرتبطة وملتزمة بكل ما هو أخلاقي وإنساني. ولذلك تؤكد النزعة الوجودية على أن كل ما يفعله الإنسان هو دائما الخير له وللآخرين بالاستناد إلى معيار الأخلاق والمسؤولية تجاه الإنسانية.
هكذا يتبين أن إشكالية حرية الشخص تتأرجح بين فكرتين: فكرة أنه حر كامل الحرية فيما يختار وما يسمو إليه ولا وجود لإكراهات خارجية ويستطيع الصمود ومقاومة إكراهاته النفسية الداخلية، وفكرة أنه خاضع تمام الخضوع لتوجيهات اللاشعور وإكراهات المجتمع التي تتحكم في أفكاره وأفعاله. ويبدو أن أبعاد هذا الإشكال متعددة، وجذوره قديمة ومتشابكة يصعب معها الحسم في إعطائه إجابة نهائية ووحيدة.